الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

وقفات ندية " الجزء الأول " - خديجة بنت خويلد "

ونستطيع أن نقف وقفات ندية تحت ظلال تلك الكلمات النضرة .. كلمات النور التي قالتها خديجة, كلمات الحق والثبات واليقين التي زكت موقفها, وكأنها أرادت أن تقول :يا أبا القاسم, يا أكمل الكلمة من الخلق, لن يقع لك ما تتخوفه على نفسك الزكية العلية من ضعف عن تحمل أعباء ما شرفك الله به من رسالة الخلود .

ولن تعجز يا أبا القاسم عن القيام بموجبات تبليغ الأمر الإلهي, لأن الله تعالى هو الذي اختارك له وخصك به, وهو أعلم حيث يجعل رسالته .

إنك يا أبا القاسم, قد فطرك الله على أفضل ما فطر عليه أحداً من خلقه, فلن يخزيك الله أبداً, ولن يحزن قلبك الكبير السليم بوقوع شئ مما تشفق منه وتخافه على نفسك, لأن فيك من خصال الجبلَّة الكمالية ومحاسن الأخلاق الرضية, وفضائل الشيم المرضية, وأشرف الشمائل العلية, وأعلى معالي المكارم, وأكرم مكارم المعالي ما يضمن لك الفوز, ويحقق لك الفلاح والصلاح والنجاح, وستظفر بطلبتك, وتؤدي رسالتك, ويخلد ذكرك, ففيك من الخصل الحميدة, والصفات الرشيدة ما يجعلك خالداً أبد الدهر.

وفي ظلال الكلمة الأولى لخديجة - رضي الله عنها - تقول : وتصل الرحم وأنت يا أبا القاسم, وصول للرحم, تقرب البعيد, وتدني القصي, وتغسل الأحقاد, وتزرع الألفة والمودات, وهذه فضيلة ومكرمة توثق عُرى المحبة بين ذوي القربى, وتجمع القلوب عى الصفاء والود, وصلة الرحم هذه أصل من أصول مكارم الأخلاق التي من سجاياك.

وثانية الكلمات : إنك لتصدق الحديث, أرادت أن تقول : فأنت الصدوق المصدق, وأنت الصادق الأمين, فصدق الحديث عندك سجية, إذا قلت شئياً قالت الموجودات من حولك وهتفت الدنيا : صدق ... يا أبا القاسم وصُدِّقت. وقومك - على الرغم من عُجرهم وبُجرهم - دعوك فيما بينهم " الأمين " وقد جهروا بهذا اللقب معترفين لك بهذه الخصلة النبيلة, خصلة الصدق في الحديث ... شهدوا على أنفسهم فقالوا : ما جربنا عليك كذباً.

وثالثة الكلمات تقول : وتحمل الكَلّ, وأنت تحمل الكل, حمل الضعيف الذي أعجزته الأيام والليالي, فنفسك الكريمة, وقلبك الرحيم, لا يرضيان أن يريا ضعيفاً أثقلت كاهله الحياة, فأنت تُحسن إليه بإحسان تنتعش من خلاله روحه وتحيي في نفسه الآمال.

ورابع الصفات من الكلمات الرائعات قولها : وتُكسب المعدوم, إنك يا يا أبا القاسم, تُكسب المعدوم بجودك وإيثارك, فقد فطرك الله على مكارم الجود, فأنت أجود الناس, بل أنت أجود بالخير من الريح المرسلة.

يقول الإمام القسطلاني - رحمه الله - في كتابه النفيس : ( المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ) : وقد كان جوده - صلى الله عليه وسلم - كله لله, وفي ابتغاء مرضاته, فإنه كان يبذل المال تارة لفقير أو محتاج, وتارة ينفقه في سبيل الله, وتارة يتألف به على الإسلام من يقوي الإسلام بإسلامه, وكان يؤثر على نفسه عيش الفقراء, فيأتي عليه الشهر والشهران لا توقد في بيته نار, وربما ربط الحجر على بطنه الشريف من الجوع 
.[ انظر المواهب اللدنية ( 2/372 ) ] .