الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

الصحيفة الظالمة والمقاطعة العامة - " خديجة بنت خويلد "


قال الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي : قال الأسود والزهري وموسى ابن عقبة وابن اسحاق : إن قريشاً لما رأت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نزلوا بلداً أصابوا فيه أمناً وقراراً, وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم, وأن عمر قد أسلم وكان رجلاً ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره, امتنع به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وبحمزة حتى عازوا قريشاً فكان هو وحمزة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه, وجعل الإسلام يفشو في القبائل, فأجمعوا رأيهم واتفق رأيهم على قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وقالوا : قد أفسد علينا أباءنا ونساءنا, فقالوا لقومه : خذوا منا دية مضاعفة وليقتله رجل من غير قريش وتريحون أنفسكم, فأبى قومه بنو هاشم من ذلك, وظاهرهم بنو عبد المطلب بن عبد مناف.

فلما عرفت قريش أن رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - قد منعه قومه, فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشعب, وأجمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب على أن لا ينكحواهم ولا ينكحوا إليهم, ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم, ولا يقبلوا منهم صلحاً, ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للقتل.

فلما اجتمعوا لذلك كتبوا صحيفة ثم تعاهدوا وتعاقوا على ذلك, ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم, وقطعوا عنهم الأسواق, ولم يتركوا طعاماً ولا إداماً ولا بيعاً إلا بادروا إليه واشتروه دونهم. فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو عبد المطلب إلى أبي طالب, فدخلوا معه في شعبه مؤمنهم وكافرهم, فالمؤمن ديناً والكافر حميةً. وخرج من بني هاشم أبو لهب إلى قريش فظاهرهم.

واشتد الحصار, وقطعت عنهم الميرة والمادة, فلم يكن المشركون يتركون طعاماً يدخل مكة ولا بيعاً إلا بادروا فاشتروه, حتى بلغ الجهد, والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود, حتى كان يُسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاعفون من الجوع, وكان لا يصل إليهم شئ إلا سراً وكانوا لا يخرجون من الشعب لاشتراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم, وكانوا يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها, ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعوا الاشتراء.

وكان حكيم بن حزام ربما يحمل قمحاً إلى عمته خديجة - 
رضي الله عنها - وقد تعرض له مرة أبو جهل فتعلق به ليمنعه, فتدخل بينهما أبو البختري, ومكَّنه من حمل القمح إلى عمته.

وكان أبو طالب يخاف على رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم يأمر رول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضطجع على فراشه, حتى يرى ذلك من أراد اغتياله, فإذا نام الناس أمر بنيه أو إخوانه أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر أن يأتي بعض فرشهم.

وكان رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يخرجون في أيام الموسم, فيلقون الناس ويدعونهم إلى الإسلام !.

قال ابن كثير -
 رحمه الله - : ثم سعى في نقض تلك الصحيفة أقوام من قريش, فكان في أمر ذلك هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ابن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي, مشى في ذلك إلى مطعم بن عدي وجماعه من قريش فأجابوه إلى ذلك, وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه أن الله قد أرسل تلك الصحيفة ( الأرضَة) فأكلت جميع مافيها إلا ذكر الله - عز وجل -, فكان كذلك, ثم رجع بنو هاشم وبنو المطلب إلى مكة, وحصل الصلح برغم من أبي جهل عمرو بن هشام. [ الفصول في اختصار سيرة الرسول للحافظ بن كثير ( 90 - 91 ) ].

وظلت الطاهرة أمنا خديجة - 
رضوان الله عليها - من وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشد أزره, وتشاركه في حمل الأذى من قومه بنفس راضية صابرة محتسبة, حتى قضى الله تعالى قضاءه في هذه المقاطعة الظالمة المريرة التي مكثت سيفاً مصلتا على أعناق المحاصرين المؤمنين برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

انتهى الحصار, وخرجت الطاهرة خديجة أم المؤمنين - 
رضي الله عنها - من الحصار ظافرة بثمرة صبرها لتتابع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيرها في الحياة زوجة أمينة مستظلة بظل الوفاء وصدق الإيمان وحسن الصبر, وفي ثبات المسلمين على هذه الشدة الرهيبة جعلهم الله من أصحاب المقام الرفيع في الآخرة, وجعلهم سادة الأرض في الدنيا, وذلك جزاء الصابين, وأجر الشاكرين.

وجزاهم في جنة الخلد فيما ... صبروا وهي منه خير جزاء
[ نساء مبشرات بالجنة ( ص:26 ) ] .