الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً - " خديجة بنت خويليد "

لقد رأت خديجة من حب زيد للحبيب - صلى الله عليه وسلم - موقفاً لا توازيه الدنيا بكل ما فيها من متاع زائل.

فلقد خرج زيد مع أمه وهو صغير في زيارة لقومها فأغارت عليهم الخيل فاحتملوا زيداً وباعوه في وق عكاظ فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم فظل أبوه يبحث عن في مشارق الأرض وغاربها حتى تفطَّر فلبه حزناً عليه وأخذ يصوغ حنينه إليه في شعراً حزيناً تتفطر له الأكباد حيث يقول :

بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحَيٌّ فيرجى أم أتى دونه الأجل ؟
فوالله ما أدري وإني لسائل ... أغلك بعدي السهل أم غالك الجبل
تذكرنيه الشم عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا غربها أفل
أعمل نَصَّ العِيس في الأرض جاهداً ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي, أو تأتي علىَّ منيتي ... فكل امرئٍ فانٍ وإن غره الأمل

وفي موسم من مواسم الحج 
[ كان ذلك في الجاهلية ] قصد البيت الحرام نفر من قوم زيد, وفيما كانوا يطوفون بالبيت العتيق, إذا هم بزيد وجهاً لوجه, فعرفوه وعرفهم وسألوه وسألهم, ولما قضوا مناسكهم وعادوا إلى ديارهم أخبروا حارثة بما رأوا وحدثوه فما أسرع أن أعد حارثة راحلته, وحمل من المال ما يفدي به فلذة الكبد, وقرة العين, وصحب معه أخاه كعباً, وانطلقا معاً يغذان [ يغذان السير : يسرعان في السير ] السير نحو مكة [ صور من حياة الصحابة/د.عبدالرحمن الباشا ].

فسألا عن النبي - 
صلى الله عليه وسلم - فقيل : هو في المسجد فدخلا عليه فقالا : يا ابن هاشم, يا ابن سيد قومه, أنتم أهل رم الله وجيرانه, تفكون العاني, وتطعمون الأسير, جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه, فإنا سنرفع لك في الفدا. قال : ما هو ؟قالوا : زيد بن حارثة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فهلا غير ذلك ؟ قالوا : ما هو ؟ قال : ادعوه فخيِّروه فإن اختاركم فهو لكما بغير فداء, وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً. قالوا : قد زدتنا على النصف وأحسنت.
فدعاه فقال : 
هل تعرف هؤلاء ؟ قال : نعم, هذا أبي وهذا عمي. قال : فأنا من قد علمت, ورأيت محبتي لك فاخترني أو اخترهما. فقال زيد : ما أنا بالذي أختار عليك أحداً. انت مني بمنزلة الأب والعم. فقالا : ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك, وأهل بيتك ؟ قال : نعم . إني قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً. فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أخرجه إلى الحجر فقال : يا من حضر اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه ... فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا.

فدُعي زيد بن محمد حتى جاء بالإسلام, فزوَّجه رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش. فلما طلقها تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - فتكلم المنافقون في ذلك وقالوا : تزوج امرأة ابنه فنزل (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ) الآية . وقال (ادعوهم لأباءهم ) فدُعي يومئذ زيد بن حارثة.