الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

رؤيا تعانق كواكب الجوزاء - " خديجة بنت خويلد "

كانت خديجة - رضي الله عنها - امرأة عالية الهمة, جياشة العواطف, واسعة الأفق, مفظورة على التدين والنقا والطهر, حتى لقد عرفت بين أترابها وبين نسا قريش بالطاهرة [ سير أعلام النبلاء ( 2/111 ) ] وناهيك بهذه الصفة التي حلقت بها فجعلتها في سماء السُبَّق إلى ساحة المعالي.

كانت خديجة - رضي الله عنها - تصغي كثيراً إلى أحاديث ابن عمها ورقة ابن نوفل عن الأنبياء, وعن الدين, وكثيراً ما كانت أحلامها المجنحة ترفرف في سماوات عالية من الفضل والفضيلة لم تكن لتصل إليها أماني أهل عصرها من رجال ونساء.

في ليلة غارت نجومها, واحلولك ظلامها, جلست خديجة في بيتها بعد أن طافت مراراً بالكعبة, عندئذ ذهبت إلى فراشها وقد ارتسمت على شفتيها علائم الرضا والابتسام, ولم يدر في ذهنها أي خاطر في ذلك الوقت, وما أسلمت جنبها للرقاد حتى استسلمت للنوم وراحت في سبات.

ورأت فيما يرى النائم شمساً عظيمة تهبط من سماء مكة لتستقر في دارها,وتملأ جوانب الدار نوراً وبهاءاً, ويفيض ذلك النور من دارها ليغمر كل ما حولها بضياء يبهر النفوس, قبل أن يبهر الأبصار بشدة ضيائه.

هبت خديجة من نومها, وراحت تدير عينيها فيما حولها بدهشة, فإذا بالليل ما يزال يسربل الدنيا بالسواد, ويجثم على الوجود والموجودات, بَيد أن ذلك النور بهرها في المنام لا يزال مشرقاً في وجدانها, ساطعاً في أعماقها.

عندما غادر الليل الدنيا, غادرت خديجة فراشها, ومع إشراقة الشمس, وصفاء الكون في الصباح الباكر, كانت الطاهرة خديجة في طريقها إلى دار ابن عمها ورقة بن نوفل, لعلها تجد عنده تفيراً لحلمها البهي في ليلتها الماضية.

دخلت خديجة على ورقة, فألفته قد عكف على قراءة صحيفة من الصحف السماوية التي شغف بها, فراح يقرأ سطورها كل صبح ومساء, وما أن مس صوت خديجة أذنيه حتى رحب بها وقال متعجباً:
خديجة ؟ الطاهرة ؟
قالت : هي , هي .
قال في دهشة : ما جاء بك الساعة ؟
جلست خديجة, وراحت تقص عليه ما رأت في منامها حرفاً حرفاً, ومشهداً مشهداً.

كان ورقة يصغي إلى خديجة في اهتمام جعله ينسى الصحيفة في يده وكأن شيئاً ما نبَّه إحساسه, وجعله يتابع سماع الحلم إلى النهاية.

وما إن انتهت خديجة من كلامها حتى تهلل وجهه بالبشر, وارتسمت على شفتيه ابتسامة الرضا, ثم قال لخديجة في هدوء ووقار: أبشري يا ابنة العم ... لو صدقالله رؤياك ليدخلن نور النبوة دارك, وليفيضن منها نور خاتم النبيين ... الله أكبر ... ماذا تسمع خديجة ؟ ما الذي يقول ابن عمها ؟ وجمت خديجة لحظات ... سرت في بدنها قشعريرة, جاشت في صدرها عواطف مشبوبة زاخرة بالأمل والرحمة والرجاء.

ظلت خديجة - رضي الله عنها - تعيش على رفرف الأمل, وعبير الحلم الذي رأته, فعسى أن تتحقق رؤياها, وتكون مصدر خير للبشرية, ومصدر نور للدنيا, قد كان قلبها الكبير منبعاً للخيرات, أما عقلها فكان يستوعب كل ما حولها من أحداث بشكل يتفق مع حياتها.

كانت خديجة - رضي الله عنها - إذا تقدم إليها سيد من سادات قريش لخطبتها, تقيسه بمقياس الحلم الذي رأته, والتفسير الذي سمعته من ابن عمها الشيخ الوقور ورقة بن نوفل ... ولكن - إلى الآن - لم تنطبق صفات خاتم النبيين على الذين تهافتوا على خطبتها والاقتران بها, فكانت تردهم رداً جميلاً, وتخبرهم أنها لا تود الزواج, فقد كانت تحس إحساساً غامضاً أن القدر الإلهي يخبئ لها شيئاً رائعاً لا تدري ما هو, لكنها تستشعر أن منه مايدخل الطمأنينة إلى قلبها 
[ نساء أهل البيت ( ص:16-19 ) بتصرف ] .