الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

إنها أعظم لحظة مرت بهذا الكون - " خديجة بنت خويلد "

يقول صاحب الظلال - رحمه الله - عن تلك اللحظة الخالدة التي تتنزَّل فيها الوحي -لأول مرة - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

وقفت هنا أمام هذا الحادث الذي طالما قرأناه في كتب السيرة وفي كتب التفسير, ثم مررنا به وتركناه, أو تلبثنا عنده قليل ثم جاوزناه !

إنه حادث ضخم, ضخم جداً, وضخم بدلالته, وضخم بآثاره في حياة البشرية جميعاً .. وهذه اللحظة التي تم فيها هذا الحادث تُعد - بغير مبالغة - هي أعظم لحظة مرت بهذه الأرض في تاريخها الطويل .

ما حقيقة هذا الحادث الذي تم في هذه اللحظة ؟

حقيقته أن الله - جل جلاله - العظيم الجبار القهار المتكبر, مالك الملك كله, قد تكرم -في عليائه - فالتفت إلى هذه الخليقة المسماة بالإنسان, القابعة في ركن من أركان الكون لا يكاد يُرى اسمه الأرض, وكرَّم هذه الخليقة باختيار واحد منها ليكون ملتقى نوره الإلهي, ومستودع حكمته, ومهبط كلماته.

وهذه حقيقة كبيرة, كبيرة إلى غير حد, تتكشف جوانب من عظمتها حين يتصور الإنسان - قدر طاقته - حقيقة الألوهية المطلقة الأزلية الباقية. ويتصور في ظلها حقيقة العبودية المحدودة الحادثة الفانية . ثم يستشعر وقع هذه العناية الربانية بهذا المخلوق الإنساني, ويتذوق حلاوة هذا الشعور, ويتلقاه بالخشوع والشكر والفرح والإبتهال .. وهو يتصور كلمات الله, تتجاوب بها جنبات الوجود كله, منزلة لهذا الإنسان في ذلك الركن المنزوي من أركان الوجود الضئيلة !

وما دلالة هذا الحادث ؟

دلالته - في جانب الله سبحانه - أنه ذو الفضل الواسع, والرحمة السابغة, الكريم الودود المنان. يفيض من عطائه ورحمته بلا سبب ولا علة, سوى أن الفيض والعطاء بعض صفاته الذاتية الكريمة .

ودلالته - في جانب الإنسان - أن الله - سبحانه - قد أكرمه كرامة لا يكاد يتصورها, ولا يملك ان يشكرها وأن هذه وحدها لا ينهض لها شكره ولو قضى عمره راكعاً ساجداً .. هذه .. أن يذكره الله , ويلتفت إليه, ويصله به, ويختار من جنسه رسولاً يوحى إليه بكلماته. وأن تصبح الأرض ... مسكنه ... مهبطاً لهذه الكلمات التي تتجاوب بها جنبات الوجود في خشوع وابتهال . فأما آثار هذا الحادث الهال في حياة البشرية كلها فقد بدأت منذ اللحظة الأولى. بدأت في تحويل خط التاريخ, منذ أن بدأت في تحويل خط الضمير الإنساني .. منذ أن تحددت الجهة التي يتطلع إليها الإنسان ويتلقى عنها تصوراته وقيمه وموازينه .. إنها ليست الأرض وليس الهوى .. إنما هي السما والوحي الإلهي. ومنذ هذه اللحظة عاش أهل الأرض الذين استقرت في أرواحهم هذه الحقيقة .. في كنف الله ورعايته المباشرة الظاهرة. عاشوا يتطلعون إلى الله مباشرة في كل أمرهم . كبيره وصغيره. يحسون ويتحركون تحت عين الله 
[ في ظلال القرآن ( 6/3936, 3937 ) ] .