الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

سحائب الحزن ... والهجرة إلى الحبشة - " خديجة بنت خويلد "

لما كان إيذاء المشركين للموحدين يزداد يوماً بعد يومٍ أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة.

فلقد كانت بداية الإضطهادات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة بدأت ضعيفة, ثم لم تزل يوماً فيوماً وشهراً فشهراً حتى اشتدت وتفاقمت في أواسط السنة الخامسة, حتى نبا بهم المقام في مكة وأوعزتهم أن يفكروا في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم, وفي هذه الساعة الضنكة الحالكة نزلت سورة الكهف, ردوداً على أسئلة بها المشركون إلى النبي -
صلى الله عليه وسلم - ولكنها اشتملت على ثلاث قصص فيها إشارت بليغة من الله تعالى إلى عباده المؤمنين, فقصة أصحاب الكهف ترشد إلى الهجرة من مراكز الكفر والعدوان حين مخافة الفتنة على الدين, متوكلاً على الله : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا [ الكهف : 10 ] .

وقصة الخضر وموسى تفيد أن الظروف لا تجري ولا تنتج حسب الظاهر دائماً, بل ربما يكون الأمر على عكس كامل بالنسبة إلى الظاهر, ففيها إشارة لطيفة إلى الحرب القائمة ضد المسلمين ستنعكس تماماً, وسيصادر هؤلاء الطغاة المشركون - 
إن لم يؤمنوا - أمام هؤلاء الضعفاء المدحورين من المسلمين.

وقصة ذي القرنين تفيد أن الأرض لله يورثها من عباده من يشاء, وأن الفلاح إنما هو في سبيل الإيمان دون الكفر, وأن الله لا يزال يبعث من عباده - 
بين آونة وأخرى - من يقوم بإنجاء الضعفاء من يأجوج ذلك الزمان ومأجوجه, وأن الأحق بإرث الأرض إنما هو عباد الله الصالحون.

ثم نزلت سورة الزمر تشير إلى الهجرة, وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة ( 
للَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ الزمر : 10 ] , وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد علم أن أصحمة النجاشي ملك الحبشة ملك عادل لا يُظلم عنده أحد, فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فراراً بدينهم من الفتن. [ ابن هشام ( 1/213 ) ] .

وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة, كان مكوناً من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة, رئيسهم عثمان بن عفان, ومعه السيدة رقية بنت الرسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهما : ( انهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط - عليهما السلام [ رواه الطبراني في الكبير, رحمة للعالمين ( 1/61 ) نقلاً من الرحيق المختوم ( ص : 91,92 ) ].

ووقفت أمنا خديجة -
 رضي الله عنها - مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تودع ابنتها رقية وزوجها عثمان - رضي الله عنهما - ودموعها على وجنتيها ... ولكنها مع كل هذا تصبر وتحتسب لأنها كانت تتمنى من أعماق قلبها أن تضحي بكل شئ في سبيل نصرة هذا الدين العظيم مهما كان الثمن. فكل شئ يهون ما دام في طلب مرضاة الله.