الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

صاحبة القلب الرحيم - " خديجة بنت خويلد "

في جلسة غمرتها أنوار ربانية كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يتحدث مع خديجة, فكان صوته الصحل يمس أوتار فؤادها وتلك الحكمة المتدفقة من بين شفتيه تغمر روحها بسعادة عارمة مجنحة تسمو بها فوق وجودها الملموس, وتعيش في أفق نوراني.

في تلك اللحظات جاءت مولاة خديجة وقالت : مولاتي, إن حليمة بنت عبد الله بن الحارث السعدية تود الدخول. ولما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحليمة السعدية, خفق قلبه الشريف حناناً, وراحت الذكريات الحبيبة والحانية الدافئة تطفو على سطح ذهنه, ذكريات حبيبة إلى نفسه, تذكَّر بيداء بني سعد ورضاعته هناك, كانت لحظة مفعمة بالمشاعر الناعمة, لحظة أحيت - في مثل لمح البصر أو أسرع - أيام طفولته, وأيام نشأته بين ذراعي حليمة, وفي أحضانها.

قامت خديجة - رضي الله عنها - لتُدخل حليمة, فطالما حدثها عنها حديثاً يقطر حباً ورحمة ودفئاً وكرامة, وعندما وقع بصره الشريف عليها, مس سمع خديجة صوته اللطيف وهو ينادي في لهفة وحنان " أمي, أمي " .

نظرت خديجة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألفته قد فرش لها رداءه, ومرر يده عليها في حنان دافق, وقد ترقرقت في وجهه سعادة عارمة, وتألق في عينيه رح فياض, لكأنما كان يحتوي في أحضانه أمه آمنة بنت وهب وقد بُهثت من مرقدها.

وفي غمرة اللقاء الحار بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحليمة, سألها عن حالها, فراحت تشكو إليه قسوة الحياة والجدب الذي نزل ببادية بني سعد, ثم شكت ضيق العيش, ومرارة الفقر, فأفاض عليها من كرمه.

وبعد ذلك حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجه خديجة - في تأثر واضح - بما ألمّ في مرضعته حليمة من ضيق, وما حاق بها وبقومها من كرب, فتدفقت كنوز فؤاد خديجة بالعطف والرحمة, وأعطتها عن طيب خاطر أربعين رأساً من الغنم, كما وهبتها بعيراً يحمل الماء, وزودتها بما تحتاجه في رجوعها إلى باديتها, وكانت خديجة - رضي الله عنها - متأهبة على الدوام لتجود بكل أموالها, إرضاءً لزوجها محمد - صلى الله عليه وسلم - فشكر لها أريحيتها, ثم انطلق ليضع بين يدي مرضعته ما جادت به خديجة 
[ نساء أهل البيت ( ص: 31,32 ) ] .