الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

وقوف في وجه العاصفة - " خديجة بنت خويلد "

عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بُدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم, فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح, ثم حُبب إليه الخلاء, فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله يتزود لذلك, ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها, حتى فجأه الحق وهو في غار حراء, فجاء الملك فقال : اقرأ, قال : ما أنا بقارئ, قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني, فقال : اقرأ, قلت : ما انا بقارئفأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني, فقال : اقرأ, قلت : ما انا بقارئ, فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني, فقال : [ العلق ] .

فرجع بها رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - ترتجف بوادره ! حتى دخل على خديجة بنت خويلد فقال : زملوني زملوني, فزملوه حتى ذهب الروع, ثم قال لخديجة : أي خديجة, مالى ؟ وأخبرها الخبر ثم قال : لقد خشيت على نفسي, قالت له خديجة : كلا, ابشر فوالله لا يخزيك الله أبداً, إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق [ مسلم بشرح النووي ( 2/265 ) ] .

فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل - 
وهو ابن عم خديجة - وكان أمرأ تنصَّر في الجاهلية, وكان يكتب الكتاب العبراني, فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شا الله أن يكتب, وكان شيخاً كبيراً قد عمى, فقالت له خديجة : أي ابن عم, اسمع من ابن أخيك !, فقال له ورقة : يا ابن أخى ما ترى ؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى, فقال ورقة له : هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسىيا ليتني فيها جذعاً, ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أو مخرجيَّ هم ؟ قال : نعم ! لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي. وإن يدركني يومك حياً أنصرك نصراً مؤزراً, ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي [ متفق عليه ].

لكأن الأربعين عاماً السابقة يوم واحد, وبدأ الوحي صبيحة يوم جديد ! إن العقل الجواب الباحث المستفسر أخذ يشيم أنوار الحق.

والصدر المحرج المثقل بالتشاؤم والإرتباك أخذ يحس برد اليقين وفسحة الأمل, والنقلة الطارئة بعيدة المدى ... إنها النبوة.

ألا ما أجمل هذا الفضل المقبل, وما أعظم ما يواجه محمداً فيه من شئون وشجون !..

ولذلك سرعان ما تراجعت إليه نفسه, وكان موقف زوجه خديجة منه من أشرف المواقف التي تحمد لامرأة في الأولين والآخرين. طمأنته حين قلق, وأراحته حين جهد, وذكرته بما فيه من فضائل, مؤكدة له ان الأبرار أمثاله لا يُخذلون أبداً وإن الله إذ طبع رجلاً على المكارم الجزلة والمناقب السمحة فلكيما يجعله أهل إعزازه وإحسانه, وبهذا الرأي الراجح والقلب الصالح استحقت خديجة أن يحييها رب العالمين, فيرسل إليها بالسلام من الروح الأمين 
[ فقه السيرة / للغزالي (ص:102 ) ] .

ومع ما سمعته أم المؤمنين السيدة خديجة - 
رضي الله عنها - من أن قوم الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيحاربونه ويخرجونه وهي تعرف صلابة قريش وقوتها ... مع هذا قررت الوقوف في وجه العاصفة المتوقعة وقبلت في سبيل الله أن تتحمل الأذى والمشقة وأن تقبل هه المهمة الصعبة وهي الوقوف في وجه قريش فهذا من أعظم الأمثلة للمؤمنات الصادقات ليقتدين بأم المؤمنين - رضي الله عنها - في تحملها المشقة والأذى لتؤازر زوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقف خلفه ليتمكن بفضل الله من نشر دعوة الإسلام بين قومه ثم في جميع أنحاء المعمورة وليقيم دولة الإسلام [إنها الجنة يا أختاه / للمصنف ( ص: 71 ) ] .