الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

حكمة خديجة بنت خويلد ورجاحة عقلها

وليس شئ أدل على حكمتها وكياستها ورجاحة عقلها من أنها قد اختارت النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجاً رغم كونه إذ ذاك فقيراً وهي غنية ثرية يتطلع إليها أثرياء قومها وأشرافهم فتأبى, وما ذاك إلا أنها قد عرفت بحكمتها وحصانة عقلها أن كمال الرجولة, وشرف المروءة, وسلامة الطبع أمر وراء الغنى المادي, والعرض الزائل.

إنها تبحث عن نوع آخر من الغنى والثراء !

إنه غنى النفس, وثراء الضمير, ودماثة الخلق ! وأين تجد ذلك كله على الوجه الأكمل في غير محمد - صلى الله عليه وسلم - , وإذا كان بعض الكتاب يذهب إلى أن الذي دفعها إلى الإقتران بالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو ما ذُكر لها من حسن تعاطيه للتجارة بيعاً وشراءً, وما اتصف به في تجارته من صدقٍ وأمانة وغير ذلك.

فإنا نقول : إن هذا وإن كان من الأسباب الظاهرة التي يرغب لمثلها الرجال - لا سيما من كانت ذات مال كخديجة - رضي الله عنها - تحتاج من يتجر لها في مالها .

غير أنا نقول : لعل ذلك كان من الأسباب الظاهرة التي تبرر خديجة بها زواجها من محمد -صلى الله عليه وسلم - وهو أحدث منها سناً, إذ كان يصغرها بخمس عشرة سنة فهو في الخامسة والعشرين من عمره, وهي في الأربعين.

فضلاً عن قلة ماله, وعدم رياسته ومكانته, غير أنها وجدت في صدقه وأمانته وحسن تجارته وعراقة نسبه - صلى الله عليه وسلم - ما تبرر زواجها به أمام قومها.

غير أننا بحثنا عن السبب الحقيقي في زواج هذه المرأة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهي في سن الأربعين أي في اكتمال عقلها ورشدها فليست بالفتاة الطائشة, ولا العجوز الخرفة ... السبب الحقيقي هو بحثها عن الرجولة الكاملة ... الرجولة بكل معانيها من خلق ومروءة وفتوة وكرم خصال.

وما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - ليقبل زواج خديجة ولو كانت تملك مال الأرض كله, ولو كانت أبهى نساء الدنيا جمالاً, لولا ما رآه محمد - صلى الله عليه وسلم - فيها من رجاحة العقل وكياسته وما شهد به قومها لها من شريف الخصال, وحميد الفعال, وعفة المئزر, وسلامة الجوهر, وعراقة المنبت.

فلهذا كله وافقت رغبة خديجة رغبة محمد - صلى الله عليه وسلم - في اقتران بها.

وصدق ظن محمد - صلى الله عليه وسلم - في خديجة فكانت نعم الزوجة, ونعم السند فلقد آلت بها رجاحة عقلها وفطنتها إلى الإيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - واتباعه في كل أفعال الإيمان, وأمور الطاعة, .... عاد - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إلى بيت خديجة - رضي الله عنها -, وقد علَّمه جبريل - عليه السلام - كيف يصلي, فأخبرها بذلك, فقالت : أرني كيف أراك ! أي علمني كيف علمك جبريل الصلاة.

فأراها وعلمها, فتوضات كما توضأ ثم صلت معه وقالت : أشهد أنك رسول الله 
[ قال الحافظ ابن حجر في الإصابة ( 4/274 ): وهذا أصرح ما وقفت عليه في نسبتها إلى الإسلام - نقلاً من رجال ونساء حول الرسول / د.عبد الحميد هنداوي ] .