الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

الزواج المبارك - الجزء الأول " خديجة بنت خويلد "


قال ابن اسحاق : وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال, تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم ( أي تقارضهم, والمضاربة القارضة ) إياه, بشئ تجعله لهم, وكانت قريش قوماً تجاراً, فلما بلغها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بلغها : من صدق حديثه, وعظم أمانته, وكرم أخلاقه, بعثت إليه, فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً, وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار, مع غلام لها يقال له ميسرة, فقبله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها, وخرج في مالها ذلك, وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام .

فنزل رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب من الرهبان, فاطلع الراهب إلى ميسرة, فقال له : من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ قال له ميسرة : هذا الرجل من قريش من أهل الحرم, فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي [ رواه ابن سعد في الطبقات ( 1/129 ) من طريق الواقدي, وإسناده ضعيف فالواقدي متروك ] .

ثم باع رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - سلعته التي خرج بها, واشترى ما أراد أن يشتري, ثم أقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسرة, فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرة واشتد الحرُّ يرى ملكين يظلانه من الشمس, وهو يسير على بعيره. فلما قدم مكة على خديجة بمالها, باعت ما جاء به, فأضعف أو قريباً. وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه. وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامته [ ابن هشام ( 1/165 , 166 ) ] .

شُغلت خديجة بأحاديث وذكريات, شغلت بحديث ميسرة عن محمد - 
صلى الله عليه وسلم-, وبقول ابن عمها ورقة : إن محمداً نبي هذه الأمة, واحتل الحلم - الذي رأت فيه الشمس تهبط من سماء مكة لتستقر في دارها - أقطار رأسها, وراح صوت ورقة يتردد في أعماقها : أبشري يا ابنة العم, ولو صدق الله رؤياك ليدخلن نور النبوة دارك, وليفيضن منها نور خاتم النبيين .

انتقلت خديجة من سيل ذكرياتها إلى الواقع الذي تحياه, نظرت وفكرت في محمد, فإذا هو يملأ صفحة خيالها .

اجتمعت الدلائل والقرائن عند خديجة بأن محمداً هو الرحيق الذي يختم به الأنبياء. فباتت ترجو أن تكون زوجاً له ولكن أنُّي الطريق إلى ذلك ؟!

إنها امرأة عريقة النسب ممدوة الثروة, وقد عُرفت بالحزم والعقل, ومثلها مطمح لسادة قريش لولا أن السيدة كانت تحقر في كثير من الرجال أنهم طلاب مال لا طلاب نفوس. وأن أبصارهم ترنو إليها بغية الرفادة من ثرائها وإن كان الزواج عنوان هذا الطمع !

لكنها عرفت محمداً - 
عليه الصلاة والسلام - وجدت ضرباً آخر من الرجال . وجدت رجلاًلا تستهويه ولا تدنيه حاجه. ولعلها عندما حاسبت غيره في تجارتها وجدت الشح والاحتيال. أما مع محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد رأت رجلاً تقفه كرامته الفارغة موقف النبل والتجاوز, فما تطلع إلى مالها ولا إلى جمالها, لقد أدى ما عليه ثم انصرف راضياً مرضياً.

ووجدت خديجة ضالتها المنشودة
 [ فقه السيره للغزالى ( ص:88,89 ) ].