الاثنين، 27 سبتمبر 2010

الصديق ومحبته الشدية للنبي - صلى الله عليه وسلم -

لقد أحب أبو بكر - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - حباً ملك عليه لُبه وفؤاده وجوارحه؛ حتى إنه كان يتمنى أن يفدى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وولده وماله والناس أجمعين.
تقول عائشة - رضي الله عنها - لما اجتمع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -, وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً, ألحَّ أبو بكر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهور, فقال: " يا أبا بكر إنا قليل ".
فلم يزل أبو بكر يُلح حتى ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وتفرق المسلمون في نواحي المسجد, كل رجل في عشيرته, وقام أبو بكر ف الناس خطيباً, ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس, فكان أول خطيب دعا إلى الله, وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين, فضربوا نواحي المسجد ضرباً شديداً, ووطئ أبو بكر, وضُرب ضرباً شديداً, ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة, فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين, ويحرفها لوجهه, ونزَّ ( أي وثب ) على بطن أبي بكر حتى ما يُعرف وجهه من أنفه, وجاء بنو تيم ( قوم أبي بكر ) يتعادون, فأجلت قريشاً عن أبي بكر, وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله, ولا يشكون في موته, ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة, فرجعوا إلى أبو بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب, فتكلم آخر النهار, فقال: ما فعل رسول الله؟ فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه, ثم قاموا, وقالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه.
فلما دخلت به ألحّت عليه, وجعل يقول: ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
فقالت: والله ما لي علم بصاحبك, فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه, فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله.
فقالت: ما أعرف أبا بكر, ولا محمد بن عبد الله, وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك ذهبت ... قالت: نعم, فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً, فدنت أم جميل وأعلنت الصياح, وقالت: والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر, وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم.
قال: فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: هذه أمك تسمع, قال: فلا شئ عليك منها, قالت: سالم صالح. قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم.
قال: فإن لله علىّ ألا أذوق طعاماً, ولا أشرب شراباً, حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, فأمهلتاه حتى إذا هدأت الرجل, وسكن الناس خَرجَتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, فأكب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبَّله, وأكب عليه المسلمون, ورقَّ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقة شديدة, فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله, ليس بي بأس! إلا ما نال الفاسق من وجهي, وهذه أمي برة بولدها, وأنت مبارك فادعها إلى الله, وادع لها عسى أن يستنقذها بك من النار, قال: فدعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاها إلى الله فأسلمت [ البداية والنهاية ( 3/ 29 - 30 ) بسند رجاله ثقات ].