الأحد، 26 سبتمبر 2010

مقدمة عامة

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [ آل عمران: 102 ].
 ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [ النساء: 1 ].
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [ الأحزاب: 70 - 71 ].
أما بعد:
إن أمر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح عليه أمر أولها.
ولا يشك عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هم خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين - عليهم أفضل الصلاة والتسليم - وأنه - صلى الله عليه وسلم - سيد ولد آدم .. وحابته هم خير قرنٍ وأُمة وُجدت على وجه الأرض.
وإن معرفة أحوالهم وأخلاقهم وسيرهم لَتضئ الطريق أمام المؤمن الذي يريد أن يعيش أُسوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [ يوسف: 111 ].
فالصحابة - رضي الله عنهم - هم حَمَلة الإسلام وحَفَظته بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
اختارهم الله واصطفاهم لصُحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونشر رسالته من بعده.
عدَّلهم وزكاهم ووصفهم بأوصاف الكمال في غير ما آية من كتاب الله.
فقال تعالى: ( منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) [ الأحزاب: 23 ].
وقال تعالى: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) [ النور: 37 ].
وقال تعالى: ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [ التوبة: 100 ].
وقال تعالى: ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) [ الفتح: 29 ]. 
إنهم نوعٌ فريدٌ من الرجال لم تعرف البشرية لهم نظيراً في تاريخها الطويل الممتد عبر الزمن.
لقد حاز أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قَصَب السبق في كل شئ فهم قمة في التقوى والورع وآية في التجرد والإخلاص ومشعل في العالم والعمل ونبراس في الدعوة والحركة.
" فأي خصلة خير لم يبقوا إليها؟! وأي خطة رشد لم يستولوا عليها؟!
تالله لقد وردوا الماء من عين الحياة عذباً صافياً زُلالاً وأيَّدوا قواعد الإسلام فلم يَدَعوا لأحدٍ بعدهم مقالاً.
فتحوا القلوب بعدلهم بالقرآن والإيمان ... والقرى بالجهاد والسنان " [ أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم ( 1/ 5-6 ) ]
هم أنصار الدين في مبتدئ نشأته
بذلوا المُهج يوم بَخِل أهل الدراهم بدارهمهم.
رجال المغارم يوم يندسّ المغمورون في ثيابهم.
هم لله - عز وجل -قلوباً وأبداناً ودماءً وأملاالاً.
لم يجعلوا هَمهم حشو البطون ولا لُبس الحرير ولا الإغراق في النِعم.
حفظوا الشرع من أهواء الزائغين ... وحَمَوا الملة من زحف المناوئين ... شهدوا التنزيل وعملوا بما فيه طائعين ... حملوا الوحيين وحضروا البيعتين ... وصلَّى أكثرهم إلى القبلتين.
كلٌ له همٌ ... وهمهم رفعة ( لا إله إلا الله ) كلٌ له قصدٌ ... وقصدهم الجليل في عُلاه.
خرجوا من أموالهم لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فما شفى ذلك لهم غليلاً. فأبوا إلا أن يقدموا الأرواح ويسيلوا الدماء ويستعذبوا العذاب في سبيل الله.
فرضى الله عنهم وأرضاهم وأكرم في جنات الخلد مثواهم. [ من مقدمة الشيخ عائض القرني ( صور من سير الصحابة ) ( ص: 3 - 4 ) بتصرف ].
من كان متأسياً فليتأس بهم فإنهم أبرّ هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هَدياً وأحسنها حالاً.
هُم الرجال بأفياء الجهاد نَمَوا   وتحت سقف المعالى والندى وُلدوا
جباههم مــا أنحنت إلا لخالقها   وغير من أبدع الأكوان مــا عبدوا
الخــاطبون من الغايات أكرمها    والسابقون وغير الله مــا قصدوا
ومن هنا كان لزاماً علينا معرفة أخبارهم وسيرهم ونشرها بين المسلمين ... عِظة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وذلك لأنهم نَقَلَةُ الإسلام إلينا نقلاً صحيحاً ... ولأن المحافظة على الإسلام تستوجب العناية بتاريخهم لئلا يجد أعداء الإسلام سبيلاً للطعن في الإسلام عن طريق الطعن في نَقَلَته.
ولذلك فإن الكلام عن هؤلاء العظماء وكشف الستار عن الصفحات التي سطّروها واجبٌٌ مُحتم علينا في هذا العصر الذي نعيش فيه اضطراب الموازين والوقوع في الصحابة الأبرار. إنه واجبٌ لردع أهل الهوى من الزنادقة والملاحدة وأهل الكفر والإبتداع الذين انتقصوا وسبّوا خير جيل وطائفة وُجدت على وجه الأرض!!!.
لا لشئ إلا أنهم حَمَلة الإسلام ورُواة الأحاديث التي تهدم بِدعهم وتُظهر ضلالهم وتُبرز خُبث طويتهم.
ولعل ديننا القويم قد تميز عما سبقه من الأديان بمعجزة تتجدد في كل وقتٍ وآن .. ألا وهي معجزة الرجال الذين عاشوا حياتهم للإسلام ولم يعرفوا للراحة طعماً ولم يعرف الخُمول إلى نفوسهم طريقاً فكانوا حركة مشبوبة لا تهدأ ولا تفتر ولا تكلّ ولا تملّ.
لا يهمُها من الحياة مالٌ ولا متاع ولا تشغلها دون غاياتها زخارف الدنيا وبهجتها.
وحدَّوا هِمتهم في إرضاء الله ... محقوا من بواطنهم كل نية تشوبها الشوائب فكانوا خالصين لله ... فأكرمهم الله بأن جعلهم معجزة من معجزات نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
يُثبتون للدنيا كلها أن دين الله تامٌ مُـكمل, وأن شرع الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... وأن الله مُـتم نوره ولو كره الكافرون ... ولو كره المنافقون والظالمون والفاسقون.
إن أخبار هؤلاء الأخيار دواءٌ للقلوب وجلاءٌ من الدنس والعيوب ... وقدوة في زمنٍ كادت القدوات فيه أن تغيب.
فهم مقالٌ يُـحتذى ونبراسٌ يُـفتدى ... ليعرف المتأخر للمتقدم فضله ويسعى على دربه ونهجه.
بالوقوف على أخبار هؤلاء الأخيار تحيا القلوب ... وباقتفاء آثارهم تحصل السعادة ... وبمعرفة سيرهم ومناقبهم تكون القدوة بجميل الخصال ونبيل المآثر والفِعال.
وإني لأستغفر الله على تقصيري في تلك الصفحات التي سطّرتها بمداد قلبي للوقوف على سيرة هؤلاء الأطهار الذين عشت في رحاب سيرتهم شهوراً طويلة لم يتسرب فيهاالملل إلى نفسي لحظة واحدة لأنني كنت أشعر بأنني أعيش في جنة الدنيا.
فهيا بنا أيها الإخوة الأعزاء وأيتها الأخوات الفُضليات لنعيش سوياً في رحاب أصحاب الحبيب - صلى الله عليه وسلم - الذين سطّرواً من النور ... راجياً من الله - عز وجل -أن ينفع بهذه المدونة كل مسلم ومسلمة في هذا الكون, وأن يكتب له القبول بين المسلمين وأن يرزقني فيه الصدق والإخلاص وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم, وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم أُدرج في أكفاني.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[ من مقدمة الشيخ محمود المصري ( أصحاب الرسول ) ( ص: 19 - 22 ) بتصرف ]