الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

ومن هنا كانت البداية - " خديجة بنت خويلد "

كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يهجر مكة كل عام ليقضي شهر رمضان في غار حراء وهو غار على مسافة بضعة أميال من القرية لصاخبة, في رأس جبل من هذه الجبال المشرفة على مكة والتي ينقطع عندها لغو الناس وحديثهم الباطل, ويبدأ السكون الشامل المستغرق في هذه القمة السامقة المنزوية, كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يأخذ زاد الليالي الطوال ثم ينقطع عن العالمين متجهاً بفؤاده المشوق إلى رب العالمين !.. في هذا الغار المهيب المحجب, كانت نفسٌ كبيرة تطل من عليائها على ما تموج به الدنيا من فتن ومغارم واعتداء وانكسار ثم تتلوى حسرة وحيرة لأنها لا تدري من ذلك مخرجاً, ولا تعرف له علاجاً .

وفي هذا الغار النائي كانت عين نفاذة محصية تستعرض تراث الهادة الأولين من رسل الله, فتجده كالمنجم المعتم لا يستخلص منه المعدن النفيس إلا بعد جهد جهيد, وقد يختلط التراب بالتبر فما يستطيع بشر فصله عنه .

في غار حراء كان محمد - 
صلى الله عليه وسلم - يتعبد, ويصقل قلبه, وينقي روحه وقترب من الحق جهده ويبتعد عن الباطل وسعه حتى وصل من الصفاء إلى مرتبة عالية انعكست بها أشعة الغيوب على صفحته المجلوة, فأمسى لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح.

في هذا الغار اتصل محمد - 
صلى الله عليه وسلم - بالملأ الأعلى .

ومن قلبه شهد بطن الصحراء أخاً لمحمد - 
عليه الصلاة والسلام - يخرج من مصر فاراً متوحشاً, ويجتاز القفاز متلمساً الأمن والسكينة والهدى لنفسه وقومه فبرقت له من شاطئ الوادي الأيمن نار مؤنسة, فلما تيممها إذا النداء الأقدس يغمر مسمعه ويتخلل مشاعره :
(
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) [ طه : 14 ].

إن شعلة من هذه النار اجتازت القرون لتتقد مرة أخرى في جوانب الغار الذي حوى رجلاً يتحنث ويتطهر - 
نائياً بجسمه وروحه - عن أرجاس الجاهلية ومساوئها, لكن الشعلة لم تكن ناراً تستدرج الناظر بل كانت نوراً ينبسط بين يدي وحي مبارك يسطع على القلب العاني بالإلهام والهداية, والتثبيت والعناية, فإذا محمد - صلى الله عليه وسلم - يصغي في دهشة وانبهار إلى صوت الملك يقول له ( 
اقْرَأْ .. ) فيجيب مستفسراً : ما أنا بقارئ , ويتكرر الطلب لتنساب بعده الآيات الأولى من القرآن العزيز : ( العلق ) [ فقه السيرة / للغزالي ( 98,99 ) ] .