الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

صبرٌ واحتساب - " سودة بنت زمعة "

ما هي إلا ساعات معدودة حتى شاع خبرُ لإسلامه - رضي الله عنه - وإذا بهؤلاء الذين نفخ الشيطان في عقولهم, فظنوا أنهم هم السادة مع أنهم عبيدٌ لشهوات بطونهم وفروجهم ... يعرفون خبر إلام السكران بن عمرو - رضي الله عنه - فيصبون عليه العذاب صبّاً, ولا يرقبون فيه إلّاً ولا ذمة.

قال ابن اسحاق : ثم إنهم عَدَوا على من أسلم, واتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه, فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين, فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش, وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر, من استضعفوا منهم, يفتنونهم, فمنهم من يُفتتن من شدة البلاء الذي يُصيبه, ومنهم من سصلب لهم, ويعصمه الله منهم.

فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يُصيب أصحابه من البلاء, وما هو فيه من العافية, لمكانه من الله ومن عمه أبي طالب, وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء, قال لهم : ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة, فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحدٌ, وهي أرض صدق, حتى جعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه ). فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الحبشة, مخافة الفتنة, وفراراً إلى الله بدينهم, فكانت أول هجرة في الإسلام. 
[ السيرة النبوية لابن هشام ( 1/266 ) ].

وفي رواية عن أم سلمة, قالت : لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفُتِنُوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء, وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع دفع ذلك عنهم, وكان هو في مَنَعَةٍ من قومه وعمه, لا يصل إليه شئ مما يكره مما ينال أصحابه. فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحدٌ عنده, فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً. فخرجنا إليه أرسالاً, حتى اجتمعنا فنزلنا بخير دار إلى خير جوار, وأمنَّا على ديننا.

وفي رواية : انها قالت : لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا فيها خير جار ( النجاشي ), أمنِا على ديننا, وعبدنا الله تعالى, لا نُوذَى, ولا نسمع شيئاً نكرهه.

وهاجرت سودة مع زوجها - رضي الله عنهما - وعاشا في رحاب النجاشي - ذلك الملك العادل - أطيب حياة في ظل الإيمان والتوحيد.

وبعد ذلك عادوا إلى مكة المكرمة لينعما بصُحبة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ... فإن المؤمن يستعذب العذاب في جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الراحة والنعيم بعيداً عن الحبيب - صلى الله عليه وسلم -.

فلما عادا إلى مكة وجدا أن قريشاً ما زالت تعلن العداء لدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسلط على أصحابه من العذاب ألواناً ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُطمئن قلوبهم بأن نصر الله قريب وأن العزة ستكون لأوليائه والخزي سيكون لأعدائه.