الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

الهجرة المباركة - الجزء الأول - " عائشة بنت أبي بكر "

لما تم اتخاذ القرار الغاشم بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل إليه جبريل بوحي ربه -تبارك وتعالى -, فأخبره بمؤامرة قريش, وأن الله قد أذن له في الخروج, وحدد له وقت الهجرة قائلاً : لا تبت هذه لليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. [ ابن هشام ( 1/482), وزاد المعاد ( 2/52 ) ].
وذهب النبي - 
صلى الله عليه وسلم - في الهاجرة إلى أبي بكر - رضي الله عنه - ليبرم معه مراحل الهجرة, قالت عائشة - رضي الله عنها - : بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة, قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها, فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي, والله ما جاء في هذه الساعة إلا أمر.

قالت : فجاء رسول - 
صلى الله عليه وسلم - فاستأذن, فأذن له, فدخل, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : اخرج من عندك. فقال أبو بكر : إنما هم أهلك, بأبي أنت يا رسول الله, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم. [ أخرجه البخاري ( 3905 ), وأبو داود ( 4083 ), واحمد ( 25734 ) ].

وبعد إبرام خطة الهجرة رجع رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - إلى بيته ينتظر مجئ الليل.

أما أكابر مجرمي قريش فقضوا نهارهم في الإعداد لتنفيذ الخطة المرسومة التي أبرمها برلمان مكة ( دار لندوة ) صباحاً.

وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل, فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر, ولكن الله غالب على أمره, بيده ملكوت السماوات والأرض, يفعل ما يشاء, وهو يجير ولا يجار عليه, فقد فعل ما خطب به الرسول - 
صلى الله عليه وسلم - فيما بعد : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )[ الأنفال:30 ].

وع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم فقد فشلوا فشلاً فاحشاً, ففي هذه الساعة الحرجة قال رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - لعليّ بن أبي طالب : نَم على فراشي وتسخَّ ببُردي هذا الحضرمي الأخضر, فنم فيه, فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم, وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام في بُردة ذلك إذا نام. [ ابن هشام ( 1/483 ) ].

ثم خرج رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - واخترق صفوفهم, وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رءوسهم, وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه, وهو يتلو : ( 
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ) [ يس : 9 ], فلم يبق منهم رج إلا وقد وضع على رأسه تراباً, ومضى إلى بيت أبي بكر, فخرجا من خوخة من دار أبي بكر ليلاً, حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن.

وبقي المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر, وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل, فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم, ورآهم ببابه فقال : ما تنتظرون ؟!
قالوا : محمداً, قال : خبتم وخسرتم, قد والله مرَّ بكم, وذر على رءوسكم التراب, وانطلق لحاجته, قالوا: والله ما أبصرناه, وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم.

ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا عليَّا, فقالوا : والله إن هذا لمحمد نائمٌ, عليه بُرده, فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا, وقام علىّ عن الفراش, فسُقط في أيديهم, وسألوه عن رسول الله -
 صلى الله عليه وسلم - فقال : لا علم لي به. [ ابن هشام ( 1/483 ), وزاد المعاد ( 2/52 ) ].
وكمنا في الغار ثلاث ليال, ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد.
 [ فتح الباري ( 7/336 ) ]. وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما. قالت عائشة : وهو غلام شاب ثقف لقن, فيدلج من عندهما بسحر, فيصبح مع قريش بمكة كبائت, فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه, حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام. وكان يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم, فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء, فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفيهما- حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة يتبع بغنمة أثر عبد الله بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة ليعفي عليه. [ ابن هشام ( 1/486 ) ].