الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

الهجرة المباركة - الجزء الثاني - " عائشة بنت أبي بكر "

أما قريش فقد جن جننها حينما تاكد لديها إفلات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صباح تنفيذ المؤامرة, فأول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم ضربوا علياً, وسحبوه إلى الكعبة, وحبسوه ساعة, علهم يظفرون بخبرهما. [ رحمة للعالمين ( 1/96 ) ].
ولما لم يحصلوا من علىّ على جدوى فجاءوا إلى بيت أبي بكر, وقرعوا بابه, فخرجت إليهم أماء بنت أبي بكر, فقالوا لها : أين أبوك ؟ قالت : لا أدري والله أين أبي ؟ فرفع أبو جهل يده -
وكان فاحشاً خبيثاً - فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها. [ ابن هشام ( 1/487 ) ].

وقررت قريش في جلسة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل التي يمكن بها القبض على الرجلين, فوضعت جميع الطرق النافذة من مكة في جميع الجهات تحت المراقبة المسلحة الشديدة, كما قررت إعطا مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما إلى قريش حيين أو ميتين, كاناً من كان. 
[ أخرجه البخاري ( 3906 ), واحمد ( 17641 ), ( 4/175 ) ].

وحينئذ جدَّت الفرسان والمشاة وقُصاص الأثر في الطلب, وانتشروا في الجبال والوديان, والوهاد والهضاب, لكن من دون جدوى وبغير فائدة.

وقد وصل المطاردون إلى باب الغار, ولكن الله غالب على أمره.

روى البخاري عن أنس, عن أبي بكر, قال : كنت مع النبي - 
صلى الله عليه وسلم - في الغار فرفعت رأسي, فإذا أنا بأقدام القوم, فقلت : يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا ... قال : اسكت يا أبا بكر, اثنان الله ثالثهما ! وفي لفظ : ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما. [ أخرجه البخاري ( 3653 ), ومسلم ( 2381 ) والترمذي ( 3095 ) ].

وقد كانت معجزة أكرم الله بها نبيه - 
صلى الله عليه وسلم - فقد رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم إلا خطوات معدودة.

وحين خمدت نار الطلب, وتوقفت أعمال دوريات التفتيش, وهدأت ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاث أيام بدون جدوى, تهيأ رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - وصاحبه للخروج إلى المدينة.

وأتتهما أسماء بنت أبي بكر - 
رضي الله عنهما - بسفرتهما, ونسيت أن تجعل ها عصاماً, فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام فشقت نطاقها باثنين, فعلقت السفرة بواحد, وانتطقت بالآخر, فسُميت ذات النطاقين. [ أخرجه البخاري ( 3905 ), وابن هشام ( 1/486 ) ].


ثم ارتحل رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه -, وارتحل معهم عامر بن فهيرة, وأخذ بهم الدليل - عبد الله بن أريقط - على طريق السواحل.

وفي يوم الإثنين 8 ربيع الأول سنة 14 من النبوة -
 وهي السنة الأولى من الهجرة - الموافق 23 سبتمبر سنة 622م, نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء. [ رحمة للعالمين ( 1/102 ) ].

قال عروة بن الزبير : سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - من مكة, فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة, فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة, فانقلبوا يوماً بعد ما طالوا انتظارهم, فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أُطم من آطامهم لأمر ينظر إليه, فبصر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب, فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معشر العرب : هذا جدكم الذي تنتظرون, فثار المسلمون إلى السلاح. [ اخرجه البخاري ( 3906 ) ].

قال ابن القيم : وسُمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف, وكبر المسلمون فرحاً بقدومه, وخرجوا للقائه, فتلقوه وحيوه بتحية النبوة, فأحدقوا به مطيفين حوله, والسكينة تغشاه, والوحي نزل عليه : ( 
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [ التحريم : 4 ], [ زاد المعاد ( 2/54 ) ].