الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

موقف أبو بكر ليلة الهجرة 1 " أبو بكر الصديق "

إن نسينا فلا ننسى أبدأ موقفه العظيم في ليلة الهجرة المباركة.

فلقد اجتمع صناديد قريش في دار الندوة وقرروا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قالت عائشة - رضي الله عنها -: والنبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بمكة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين : إني أُريت دار هجرتكم, ذات نخل بين لا بتين وهما الحرتان, فهاجر من هاجر قِبل المدينة, ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة, وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: على رسلك فإني أرجو أن يؤذن. فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأني أنت؟ قال : نعم. فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه.

وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السَّمر - وهو الخيط - اربعة أشهر.
ولما تم اتخاذ القرار الغاشم بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل جبريل بوحي ربه - تبارك وتعالى - فأخبره بمؤامرة قريش, وأن الله قد أذن له في الخروج, وحدد له وقت الهجرة قائلاً: لا تبت هذه الليلة على فراشك الي كنت تبيت عليه. [ السيرة النبوية لابن هشام ( 1/ 482 ), وزاد المعاد ( 2/ 52 ) ].

وذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهاجرة إلى أبي بكر - رضي الله عنه - ليبرم معه مراحل الهجرة.

قالت عائشة: بينما نحن يوماً جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعاً - في ساعة لم يكن يأتينا فيها - فقال أبو بكر: فداءً له أبي وأمي والله ما جاء في هذه الساعة إلا لأمر.

قالت فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن فأذن له, فدخل, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: اخرج من عندك, فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله. قال: فإني قد أُذن لي في الخروج.

فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم. قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بالثمن. قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب, فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاق. [ أخرجه البخاري ].

وأوعز الرسول - عليه الصلاة والسلام - إلى على بن أبي طالب في هذه الليلة الرهيبة أن يرتدي بُرده الذي ينام فيه وأن يتسجَّى به على سريره, وفي هجعة من الليل وغفلة من الحرس, انسلَّ الرسول - عليه الصلاة والسلام - من بيته إلى دار أبي بكر ثم خرج الرجلان من خوخة في ظهرها إلى غار ثور. إلى الغار الذي استودعته العناية مصير الرسالة الخاتمة, ومستقبل حضارة كاملة, وتركته في حراسة الصمت والوحشة والانقطاع.

وسارت الأمور على ماقدرا, وكان أبو بكر قد أمر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من أخبار, وأمر عامر بن فهيرة ( مولاه ) أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما إذا أمسى في الغار, فكان عبد الله بن أبي بكر في قريش يسمع ما يأتمرون وما يقولون في شأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر. ثم يأتيهما إذا أمسى فيقص عليهما ما علم, وكان عامر في رعيان أهل مكة, فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا, فإذا غدا عبد الله من عندهم إلى مكة, اتبع عامر ابن فهيرة أثره بالغنم. يعفى عليه - يخفي آثار قدميه -.

وتلك هي الحيطة البالغة, كما تفرضها الضرورات المعتادة على أي انسان.