الخميس، 14 أكتوبر 2010

موقف أبو بكر العظيم من قصة الإسراء والمعراج


لما كانت رحلة الإسراء  والمعراج جاء المشركون إلى أبي بكر فقالوا له: إن صاحبك يزعم أنه أُسري به إلى المسجد الأقصى في الليلة الماضية ونحن نقطع أكباد الإبل إليها في شهركامل, فقال أبو بكر: إن قال فقد صدق.

وفي رواية: وبادر الصديق إلى التصديق وقال: إني لأصدقه في خبر السماء بكرة وعشية, أفلا أصدقه في بيت المقدس؟!
[ البداية والنهاية لابن كثير ( 3/ 108 ) ].

ولذلك يُقال: إن أبو بكر سُمى صديقاً من حادثة الإسراء والمعراج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ليلة أسرى به لجبريل: إن قومي لا يصدقوني فقال له جبريل: يصدقك أبو بكر وهو الصديق.
[ التبصرة لابن الجوزي ( 1/ 338 - 402 ) ].

وكان عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - يحلف أن الله - عز وجل - أنزل اسم أبي بكر من السماء ( الصديق ).
[ قل ابن حجر في الفتح ( 11/ 7 ): رواه الطبراني ورجاله ثقات ].

الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

زواجها من خُنيس - رضي الله عنه - " حفصة بنت عمر "


لما اكتملت أنوثتها - رضي الله عنها - تقدَّم لها أحد السابقين إلى الإسلام ( خُنيس بن حُذافة) وهو أخو ( عبد الله بن حذافة ) - رضي الله عنهما - فتزوجها خُنيس وعاشت معه في سعاة غامرة في ظل الإيمان والطاعة.

وكان خُنيس قد أسلم قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم بن أبي الأرقم وكان إسلامه على يدي أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.

إن إسلام عمر كان فتحاً - " حفصة بنت عمر "



لما أشرقت شمس الإسلام على أرض الجزيرة وكان عمر - رضي الله عنه - مازال على الشرك فكان الحبيب - صلى الله عليه وسلم - يتمنى أن يُسلم عمر ليكون شوكة في ظهور المشركين فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول :" اللهم أعزَّ الإسلام بأحب الرجلين إليك : بأبي جهل بن هشام, أو بعمر بن الخطاب, قال : وكان أحبهما إليه عمر [ رواه الترمذي ( 3683 ), وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " ( 2907 ) ].

ولقد كان إسلامه سبباً عظيماً في ظهور الإسلام وقوته, وذلك لما كان يتميز به من القوة والشجاعة فكان لا يخاف في الله لومة لائمٍ.

قال عبد الله بن مسعود : 
إن إسلام عمر كان فتحاً, وإن هجرته كانت نصراً, وإن إمارته كانت رحمة, ولقد كنا ما نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر, فلما أسلم قاتلَ قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلّينا معه. [ أخرجه ابن سعد ( 1 / 270 ), والحاكم ( 3 / 83 - 84 ) وقال: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه ووافقه الذهبي ].

وهكذا دخل الإسلام إلى هذا البيت المبارك ليكون حصناً حصيناً يذود عن الإسلام وأهله.

وهكذا عاشت تلك الأسرة العمرية المباركة في ظل هذا الدين العظيم وفي جوار هذا النبي الكريم - 
صلى الله عليه وسلم - ينهلون من النبع الصافي ويتعلمون من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخلاقه وعبادته وسلوكه ورحمته.


النشأة المباركة - " حفصة بنت عمر "


بعد المقدمة التي مضت عن تلكم العائلة العمرية التي نشأت فيها أمنا حفصة - رضي الله عنها- فلنا أن نتخيل كيف أنها نشأت نشأة مباركة وعاشت في ظل بيئة يندر أن نجد لها مثيلاً.

وُلدت حفصة - رضي الله عنها - عندما كانت قريش تجدد بناء الكعبة وذلك قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين ... وكان ذلك عندما حسم النبي - صلى الله عليه وسلم - الخلاف بينهم على موضع الحجر الأسود مكانه, وذلك بحكمته ورأيه السديد وبصيرته الثاقبة - صلى الله عليه وسلم -.

ولقد كانت تحب العلم والأدب فتعلمت الكتابة من الشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية, وظلت تطلب العلم حتى أصبحت إحدى فصيحات النساء في قريش.

النبي لم يتزوج بكراً غير عائشة



عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قلت يا رسول الله : أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أُكل منها, ووجدت شجراً لم يؤكل منها في أيها كنت تُرتع بعيرك ؟ قال : في الذي لم يُرتع منها. تعني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكراً غيرها. [ أخرجه البخاري (8077 ) ].


وهكذا دخلت عائشة - رضي الله عنها - بيت النبوة - بيت النبوة - وهو خير بيت في هذا الكون الفسيح على الرغم من تواضعه - إنها حجرة صغيرة إلا أن صاحبها - صلى الله عليه وسلم - مؤيد بالوحي من السماء ... إنها ليست مجهزة بمتاع الدنيا الزائل إلا أن صاحبها -صلى الله عليه وسلم - نشر عبير القرآن والسنة على الأرض كلها فكانت الهداية التي منحها الله لمن شاء من عبادة تخرج من هذه الحجرة المباركة.

لقد عاشت أمنا عائشة - رضي الله عنها - في رحاب الحبيب - صلى الله عليه وسلم - تنهل من اخلاقه وعلمه وورعه وحلمه وهديه, فكانت شمساً في دنيا الناس لا يستغنى عنها القريب ولا البعيد.

وهكذا اكتملت السعادة - " عائشة بنت أبي بكر "



وتأتي موقعة بدر التي كتب الله فيها النصر للموحدين فكانت الفرحة تغمر قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ... وما إن مضى شهر رمضان وجاء شهر شوال حتى تجددت الفرحة في قلوب المسلمين فلقد بنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعائشة لتكتمل العادة في قلوب الموحدين ولتصبح عائشة - رضي الله عنها - زوجة لسيد المرسلين وأُماً للمؤمنين ... ويا لها من منقبة لا توازيها الدنيا بكل ما فيها من متاعٍ زائل.



وفي هذا اليوم السعيد اجتمع الناس في بيت أبي بكر - رضي الله عنه - وكانت الفرحة تعلو وجوههم وتملأ قلوبهم.

وأما عن تفاصيل تلك المانسبة التاريخية السعيدة فنترك الحديث لأمنا - رضي الله عنها - لتصف لنا هذه الليلة المباركة.

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : تزوجني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج, فوعكت فتمزق شعري, فوفى جًميمة, فأتتني أمي أم رومان, وإني لفي أُرجوحة وعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها, لا أدري ما تريد بي, أخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار, وإني لأنهج حتى سكن بعض نَفسي. ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي, ثم أدخلتني الدار, فإذا نسوة من الأنصار في البيت, فقلن : على الخير والبركة, وعلى خير طائر. فأسلمتني إليهن, فأصلحن من شأني, فلم يرعني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضُحى, فأسلمتني إليه, وأنا يومئذ بنت تسع سنين. [ أخرجه البخاري ( 3894 ), ومسلم ( 1422 ) ].

الهجرة المباركة - الجزء الثالث - " عائشة بنت أبي بكر "


كانت المدينة كلها قد زحفت للإستقبال, وكان يوماً مشهوداً لم تشهد المدينة مثله في تاريخها, وقد رأى اليهود صدق بشارة حبقوق النبي : إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبال فاران. [ صحيفة حبقوق ( 3/3 ) ].

وبعد الجمعة دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ومن ذلك اليوم سُميت بلدة يثرب بمدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ونزل النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -.

فعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أي بيوت أهلنا أقرب ؟, فقال أبو أيوب : انا يا رسول الله, هذه داري, وهذا بابي, قال : فانطلق فهيئ لنا مقيلاً, قال : قوما على بركة الله. [ أخرجه البخاري ( 3911 ) واحمد ( 12255 )(3/122 ) ].

وبعد أيام وصلت إليه زوجته سودة, وبنتاه فاطمة وأم كلثوم, وأسامة بن زيد, وأم أيمن, وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ومنهم عائشة, وبقيت زينب عند أبي العاص, لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر. [ زاد المعاد ( 2/55 ) ].

قالت عائشة : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعك أبو بكر وبلال, فدخلت عليهما, فقلت : يا أبَتِ كيف تجدك, ويا بلال كيف تجدك ؟ قالت : فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :
كل امرئ مصبَّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادٍ وحولي إذخر وجليلُ
وهل أرِدَن يوماً مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل

قالت عائشة : فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته, فقال : اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد, وَصَحِّحهَا, وبارك في صاعها ومُدِّها, وانقل حماها فاجعلها بالجحفة. [ أخرجه البخاري ( 1889 ), ومسلم ( 1376 ) - بتصرف من الرحيق المختوم ].

الهجرة المباركة - الجزء الثاني - " عائشة بنت أبي بكر "

أما قريش فقد جن جننها حينما تاكد لديها إفلات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صباح تنفيذ المؤامرة, فأول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم ضربوا علياً, وسحبوه إلى الكعبة, وحبسوه ساعة, علهم يظفرون بخبرهما. [ رحمة للعالمين ( 1/96 ) ].
ولما لم يحصلوا من علىّ على جدوى فجاءوا إلى بيت أبي بكر, وقرعوا بابه, فخرجت إليهم أماء بنت أبي بكر, فقالوا لها : أين أبوك ؟ قالت : لا أدري والله أين أبي ؟ فرفع أبو جهل يده -
وكان فاحشاً خبيثاً - فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها. [ ابن هشام ( 1/487 ) ].

وقررت قريش في جلسة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل التي يمكن بها القبض على الرجلين, فوضعت جميع الطرق النافذة من مكة في جميع الجهات تحت المراقبة المسلحة الشديدة, كما قررت إعطا مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما إلى قريش حيين أو ميتين, كاناً من كان. 
[ أخرجه البخاري ( 3906 ), واحمد ( 17641 ), ( 4/175 ) ].

وحينئذ جدَّت الفرسان والمشاة وقُصاص الأثر في الطلب, وانتشروا في الجبال والوديان, والوهاد والهضاب, لكن من دون جدوى وبغير فائدة.

وقد وصل المطاردون إلى باب الغار, ولكن الله غالب على أمره.

روى البخاري عن أنس, عن أبي بكر, قال : كنت مع النبي - 
صلى الله عليه وسلم - في الغار فرفعت رأسي, فإذا أنا بأقدام القوم, فقلت : يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا ... قال : اسكت يا أبا بكر, اثنان الله ثالثهما ! وفي لفظ : ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما. [ أخرجه البخاري ( 3653 ), ومسلم ( 2381 ) والترمذي ( 3095 ) ].

وقد كانت معجزة أكرم الله بها نبيه - 
صلى الله عليه وسلم - فقد رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم إلا خطوات معدودة.

وحين خمدت نار الطلب, وتوقفت أعمال دوريات التفتيش, وهدأت ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاث أيام بدون جدوى, تهيأ رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - وصاحبه للخروج إلى المدينة.

وأتتهما أسماء بنت أبي بكر - 
رضي الله عنهما - بسفرتهما, ونسيت أن تجعل ها عصاماً, فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام فشقت نطاقها باثنين, فعلقت السفرة بواحد, وانتطقت بالآخر, فسُميت ذات النطاقين. [ أخرجه البخاري ( 3905 ), وابن هشام ( 1/486 ) ].


ثم ارتحل رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه -, وارتحل معهم عامر بن فهيرة, وأخذ بهم الدليل - عبد الله بن أريقط - على طريق السواحل.

وفي يوم الإثنين 8 ربيع الأول سنة 14 من النبوة -
 وهي السنة الأولى من الهجرة - الموافق 23 سبتمبر سنة 622م, نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء. [ رحمة للعالمين ( 1/102 ) ].

قال عروة بن الزبير : سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - من مكة, فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة, فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة, فانقلبوا يوماً بعد ما طالوا انتظارهم, فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أُطم من آطامهم لأمر ينظر إليه, فبصر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب, فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معشر العرب : هذا جدكم الذي تنتظرون, فثار المسلمون إلى السلاح. [ اخرجه البخاري ( 3906 ) ].

قال ابن القيم : وسُمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف, وكبر المسلمون فرحاً بقدومه, وخرجوا للقائه, فتلقوه وحيوه بتحية النبوة, فأحدقوا به مطيفين حوله, والسكينة تغشاه, والوحي نزل عليه : ( 
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [ التحريم : 4 ], [ زاد المعاد ( 2/54 ) ].

الهجرة المباركة - الجزء الأول - " عائشة بنت أبي بكر "

لما تم اتخاذ القرار الغاشم بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل إليه جبريل بوحي ربه -تبارك وتعالى -, فأخبره بمؤامرة قريش, وأن الله قد أذن له في الخروج, وحدد له وقت الهجرة قائلاً : لا تبت هذه لليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. [ ابن هشام ( 1/482), وزاد المعاد ( 2/52 ) ].
وذهب النبي - 
صلى الله عليه وسلم - في الهاجرة إلى أبي بكر - رضي الله عنه - ليبرم معه مراحل الهجرة, قالت عائشة - رضي الله عنها - : بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة, قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها, فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي, والله ما جاء في هذه الساعة إلا أمر.

قالت : فجاء رسول - 
صلى الله عليه وسلم - فاستأذن, فأذن له, فدخل, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : اخرج من عندك. فقال أبو بكر : إنما هم أهلك, بأبي أنت يا رسول الله, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم. [ أخرجه البخاري ( 3905 ), وأبو داود ( 4083 ), واحمد ( 25734 ) ].

وبعد إبرام خطة الهجرة رجع رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - إلى بيته ينتظر مجئ الليل.

أما أكابر مجرمي قريش فقضوا نهارهم في الإعداد لتنفيذ الخطة المرسومة التي أبرمها برلمان مكة ( دار لندوة ) صباحاً.

وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل, فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر, ولكن الله غالب على أمره, بيده ملكوت السماوات والأرض, يفعل ما يشاء, وهو يجير ولا يجار عليه, فقد فعل ما خطب به الرسول - 
صلى الله عليه وسلم - فيما بعد : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )[ الأنفال:30 ].

وع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم فقد فشلوا فشلاً فاحشاً, ففي هذه الساعة الحرجة قال رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - لعليّ بن أبي طالب : نَم على فراشي وتسخَّ ببُردي هذا الحضرمي الأخضر, فنم فيه, فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم, وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام في بُردة ذلك إذا نام. [ ابن هشام ( 1/483 ) ].

ثم خرج رسول الله - 
صلى الله عليه وسلم - واخترق صفوفهم, وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رءوسهم, وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه, وهو يتلو : ( 
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ) [ يس : 9 ], فلم يبق منهم رج إلا وقد وضع على رأسه تراباً, ومضى إلى بيت أبي بكر, فخرجا من خوخة من دار أبي بكر ليلاً, حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن.

وبقي المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر, وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل, فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم, ورآهم ببابه فقال : ما تنتظرون ؟!
قالوا : محمداً, قال : خبتم وخسرتم, قد والله مرَّ بكم, وذر على رءوسكم التراب, وانطلق لحاجته, قالوا: والله ما أبصرناه, وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم.

ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا عليَّا, فقالوا : والله إن هذا لمحمد نائمٌ, عليه بُرده, فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا, وقام علىّ عن الفراش, فسُقط في أيديهم, وسألوه عن رسول الله -
 صلى الله عليه وسلم - فقال : لا علم لي به. [ ابن هشام ( 1/483 ), وزاد المعاد ( 2/52 ) ].
وكمنا في الغار ثلاث ليال, ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد.
 [ فتح الباري ( 7/336 ) ]. وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما. قالت عائشة : وهو غلام شاب ثقف لقن, فيدلج من عندهما بسحر, فيصبح مع قريش بمكة كبائت, فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه, حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام. وكان يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم, فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء, فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفيهما- حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة يتبع بغنمة أثر عبد الله بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة ليعفي عليه. [ ابن هشام ( 1/486 ) ].

ففروا إلى الله - " عائشة بنت أبي بكر "

هكذا جاء الوحي بصورتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بأنها زوجته في الدارين ... وظلت عائشة - رضي الله عنها على الرغم من صغر سنها - تحلم باللحظة الخالدة التي تدخل فيها بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتكون زوجة لسيد الأولين والآخرين وأمّاً للمؤمنين في كل وقتٍ وحين.

وفي تلك المرحلة الصعبة اشتد إيذا المشركين بأصحاب الحبيب - 
صلى الله عليه وسلم - حتى أشار عليهم بالهجرة إلى المدينة المنورة فنزلوا في رحاب الأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان ... وبعد فترة يسيرة أذن الله - عز وجل - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى المدينة ليُقيم للإسلام في تلك التربة المباركة.

قصة الزواج المبارك - " عائشة بنت أبي بكر "

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لما توفيت خديجة, قالت خولة بنت حكيم بن الأوقص - امرأة عثمان بن مظعون, وذلك بمكة : يا رسول الله الآ تزوج ؟, قال : من ؟, قالت : إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً ؟, قال : فمن البكر ؟, قالت : ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت ابي بكر. قال : فمن الثيب ؟, قالت : سودة بنت زمعة, آمنت بك, واتبعتك على ما أنت عليه. قال : فاذهبي فاذكريهما علىَّ.

فجاءت فدخلت بيت ابي بكر, فوجدت أم رومان أم عائشة فقالت : 
يا أم رومان, ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة, أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخطب عليه عائشة !, قالت : وددت, انتظري أبا بكر, فإنه آتٍ, فجاء أبو بكر فقالت : يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة !! أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخطب عليه عائشة.فقال : هل تصلح له, إنما هي بنت أخيه, فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له, فقال : ارجعي إليه فقولي له : أنت أخي في الإسلام, وأنا أخوك, وابنتك تصلح لي.

فأتت أبا بكر فقال : 
ادعي لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء فأنكحه ( وأنا يومئذ ابنة ست سنين ). [ قال الهيثمي في " المجمع " ( 15285 ) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد ابن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث ].

لقد أدركت خولة -
 السيدة الأُنثى صاحبة التجربة - حاجة البيت النبوي الشريف إلى من يملأ الفراغ, ويسد الثغرة, حناناً وحباً وإشفاقاً وكانت خولة بحكم نضوجها وبُعد نظرها وعمق إيمانها, تحيط بالظروف النفسية والاجتماعية والزمنية التي تستقطب صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم - فقالت بعد درس وتفكير لتعرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزواج.

ولعل خولة في عرضها هذا كانت تهدف إلى من يقوم على رعاية الأسرة وتدبير شئون البيت من خلال سودة وعلى رأب صدع القلب الشريف من خلال عائشة, وتوثيق العروة بالمصاهرة بين النبي - 
صلى الله عليه وسلم - والصدِّيق - رضي الله عنه -.

قال الإمام الذهبي : 
وكان تزويجه بها إثر وفاة خديجة فتزوج بها وبسودة في وقتٍ واحد ثم دخل بسودة فتفرَّد بها ثلاثة أعوام حتى بنى بعائشة في شوال بعد وقعة بدر فما تزوج بكراً سواها. [ سير أعلام النبلاء ( 2/141 , 142 ) ].

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

حفصة بنت عمر - رضي الله عنها



حفصة بنت عمر

إنها صوَّامة قوَّامة وهي زوجتك في الجنة



ها نحن نقترب أكثر وأكثر لنستنشق عبير زهرة من بستان العائلة العُمرية.



إننا على موعد مع أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما - ... تلكم الزهرة التي جمع الله فيها من المكارم والفضائل ما يعجز قلمي أن يصفها أو يذكرها مجرد ذكرٍ.


فأبوها هو فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب.

إنه الرجل الكبير في بساطة ... البسيط في قوة ... القوي في عدل ورحمة.


إنه الرجل الذي أنجبته أرض الجزيرة, ورباه الإسلام.

إنه الناسك الورع الذي تفجر نُسكه حركةً, وذكاءً, وعملاً وبناءً.



إنه الأستاذ المعلم الذي صحح كثيراً من مفاهيم الحياة, وكساها عظمة وروعة من خُلقه وسلوكه, وكان للمتقين إماماً.



إنه الرجل الذي أعطى دنيا الناس كافة قدوة لا تبلى ... قدوة تتمثل في عاهل قد بركت الدنيا على عتبة داره مُثقلة بالغنائم والطيبات, فسرَّحها سراحاً جميلاً, وساقها إلى الناس سوقاً كريماً ... يقدم إليهم طيباتها ويداراً عنهم مضلاتها, حتى إذا نفض يديه من علائق هذا المتاع الزائل ... استأنف سيره, ومسراه مهرولاً في فترة الظهيرة الحارقة, وراء بعير من أموال الصدقة يخشى عليه الضياع, أو منحنياً فوق قدر ليطبخ فيه طُعمة طيبة لامرأة غريبةٍ أدركها كَرب المخاض أو لأطفال يتضورون جوعاً في ظلام الليل الدامس !!



إنه الرجل الذي تنزَّل القرآن أكثر من مرة موافقاً لرأيه, وقوله.



إنه الرجل الذي كان إسلامه فتحاً, وكانت هجرته نصراً, وكانت ولايته عدلاً.



إنه فاروق الأمة الأواب عمر بن الخطاب. [ أئمة الهدى ومصابيح الدجى للشيخ محمد حسان وعوض الجزار ( ص: 229 ) ].



وعمها هو زيد بن الخطاب الذي شهد بدراً والمشاهد واستُشهد في يوم اليمامة – إنه الرجل الذي قال عنه عمر – رضي الله عنه -: سبقتني إلى الحُسنيين أسلم قبلي واستُشهد قبلي ... وقال عنه : ما هبَّت الصبا إلا ذكَّرتني زيد بن الخطاب.



وأمها زينب بنت مظعون أخت الصحابي الجليل عثمان بن مظعون – رضي الله عنه – الذي لما مات جاء إليه الحبيب – صلى الله عليه وسلم – وقبَّله وسالت دموعه على خدّ عثمان [ رواه الترمذي ( 989 ), وأحمد ( 6 / 3 / 4 ) ]... وهو أول من دُفن بالبقيع ... وهو الذي لما ماتت بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لها: " الحقي بسلفنا الخيِّر عثمان بن مظعون " [ رواه احمد وابن سعد والحاكم ].



وعمتها هي فاطمة بنت الخطاب – رضي الله عنها – وهي إحدى السابقات إلى الإسلام هي وزوجها سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة.



وأخوها هو العابد الزاهد التقي الورع العالم عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – الذي قال عنه الحبيب – صلى الله عليه وسلم -: " إن عبد الله رجلٌ صالح " [ أخرجه البخاري ( 3741 ), ومسلم ( 2478 ) ].



وقالت عنه أمنا عائشة – رضي الله عنها -: " ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر " [ سير أعلام النبلاء للذهبي ( 3 /211 ) ].


فهل يستطيع أحدٌ أن يعبِّر بقلمه أو بلسانه عن عظمة تلك المناقب والمكارم ؟!!!!.
= = = = = = = =



ففروا إلى الله


فراق مؤلم


هكذا أصبحت أماً للمؤمنين


مكانتها الغالية


وبالمثال يتضح المقال


تسابق إلى مرضاة الحبيب - صلى الله عليه وسلم


إنها زوجة النبي في الجنة


علمها وفقهها


وفاة الحبيب - صلى الله عليه وسلم


الفاروق يتولى الخلافة


مقتل الفاروق - رضي الله عنه


حملت أمانة القرآن على أعناقها


وها هي قصة جمع القرآن


وحان وقت الرحيل